كرم سعيد


        
<p>أعلنت شركة "بايكار" التركية للصناعات الدفاعية، في 12 مارس 2022، عن هيكل "طائرة مقاتلة مسيرة" (Mius) بعد دخولها مرحلة الإنتاج. وفي وصف للمسيرة الجديدة، قال "سلجوق بيرقدار" المدير التقني لشركة بايكار: "سمكة أكبر وأكثر رشاقة دخلت مرحلة الإنتاج بعد 3 سنوات ونصف، (Mius) المقاتلة المسيرة: بيرقدار قزل إلما قادمة.. ترقبوا". وستنطلق المُسيَّرة الجديدة من حاملات الطائرات والسفن. وتزامن الإعلان عن المُسيَّرة الجديدة مع تصريحات وزارة الدفاع الروسية، في 7 مارس 2022، عن نجاحاتها في إسقاط 6 طائرات مُسيَّرة تركية الصنع. ويأتي إعلان تركيا عن إنتاج جيل جديد من الطائرات بدون طيار في ظل محاولات تركية مستمرة لتطوير قطاع الطائرات المسيرة؛ لتعزيز القدرات الهجومية والدفاعية المتكاملة بهدف ردع الخصوم، إضافة إلى تعظيم حضورها في سوق الصناعات الدفاعية والصادرات التسليحية، خاصةً أن المُسيَّرات التركية نجحت في اختراق أسواق معتبرة. علاوة على تبديد الشكوك الروسية بشأن ضعف المُسيَّرات التركية، واستثمار الدعاية الأوكرانية في مواجهة الآلة العسكرية الروسية، واستيعاب الضغوط الدولية على أنقرة، في ظل قدرتها البارزة على مسارح العمليات. علاوة على ذلك، يمكن توظيف ذلك الإعلان في سياق التحايل على الأزمة الاقتصادية، وتحقيق انتصار داخلي لحزب العدالة والتنمية الذي يخوض الانتخابات العام المقبل.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">استثمار اللحظة</span></strong></p>



<div style="height:12px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>ثمة العديد من الاعتبارات التي تقف وراء رغبة أنقرة في الإعلان عن المُسيَّرة الجديدة في هذا التوقيت. ويمكن بيان ذلك على النحو الآتي:</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– تبديد الشكوك الروسية بشأن ضعف المُسيَّرات التركية: </strong>لا ينفصل الإعلان عن المُسيَّرة التركية الجديدة "Mius" عن رغبة أنقرة في دحض الشكوك الروسية حول قدرات المُسيَّرات التركية في مواجهة الآلة العسكرية الروسية، خاصةً بعد إعلان وزارة الدفاع الروسية عن تدمير عدد من المُسيَّرات التركية في سماء أوكرانيا. ولم تكن المحاولة الروسية للتشكيك في المُسيَّرات التركية هي الأولى من نوعها؛ فقد عملت روسيا بعد توريد أنقرة عدداً من المُسيَّرات إلى أوكرانيا نهاية العام الماضي، عبر وسائل إعلامها، على الحديث عن أن المُسيَّرات التركية أهداف سهلة. ونشرت صوراً لمُسيَّرات تركية أسقطتها منظومة "بانتسير" الدفاعية الروسية في سوريا. وفي تصريحات صدرت في نهاية ديسمبر 2021، قال نائب قائد قوات الدفاع الجوي الروسي إن المُسيَّرات التركية هدف سهل لمنظومة "بانتسير" التي يمكنها متابعة المُسيَّرات التركية من لحظة الإقلاع حتى الهبوط.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– استثمار الدعاية الأوكرانية في مواجهة الآلة العسكرية الروسية:</strong> يأتي الإعلان التركي عن المُسيَّرة الجديدة Mius في سياق البناء على الدعاية الأوكرانية عن قدرات المُسيَّرات التركية في مواجهة الآلة العسكرية الروسية؛ حيث نشرت القوات البرية للقوات المسلحة الأوكرانية، في 3 مارس 2022، أغنية تحتفي بالطائرات المُسيَّرة التركية "بيرقدار"، في وقتٍ أعلن فيه وزير الدفاع "ريزنيكوف" عن استقبال دفعة جديدة من المُسيَّرات التركية. وتقول كلمات الأغنية الأوكرانية: "جاءتنا الخِراف لتعيد بناء الدولة القديمة، لكن لدينا راعٍ لهذه الخراف.. لدينا البيرقدار…". وفي مقطع آخر: "أحضروا كل جيوشهم ومعداتهم وصواريخهم القوية، لكن لدينا تعليق من كلمة واحدة: بيرقدار!".</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>بالتوازي مع ذلك، تروج العديد من المواقع الأوكرانية مقاطع الفيديو على الإنترنت حول عمليات قصف ناجحة لطائرات مُسيَّرة مقاتلة تركية من نوع بيرقدار TB2 ضد القوات الروسية، وتشير إلى أنها اكتسبت أهمية متزايدة في الأزمة الحالية بين روسيا وأوكرانيا؛ حيث أعلنت الأخيرة أن الطائرات المُسيَّرة التركية الصنع تلعب حاليّاً دوراً في غاية الأهمية كجزء من القوة التي يمكن للجيش الأوكراني أن ينشرها في مواجهة روسيا. ويُشَار إلى أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي، قد وقَّع، في 3 فبراير 2022، مع نظيره التركي عقداً لإنتاج المزيد من المُسيَّرات التركية بشكل مشترك.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– تأكيد القدرات الذاتية بهدف ردع الخصوم:</strong> يعكس الإعلان عن مُسيَّرة تركية جديدة دخلت مرحلة الإنتاج، مميزات متعددة لتركيا؛ منها الاستمرار في تطوير قدراتها في قطاع المُسيَّرات، والحفاظ على الصدارة في إنتاج هذا النوع من المقاتلات، فضلاً عن ردع خصومها، خاصةً أن برنامجها بات يفرض مخاوف؛ ليس فقط لدى روسيا، بل لدى شركائها في الناتو، وخاصةً الولايات المتحدة؛ حيث أقر الكونجرس، في نهاية عام 2021، في قانون تفويض الدفاع الوطني الأمريكي لعام 2022، بنداً يدعو إلى مراقبة المُسيَّرات التركية، كما وصف المشروع الطائرات المُسيَّرة التركية بأنها "خطيرة، وتشكل عدم استقرار، وتهدد السلام وحقوق الإنسان".</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– استيعاب الضغوط الدولية على أنقرة: </strong>يتمثل أحد التكتيكات التي تتبعها تركيا، في تطوير صناعتها الدفاعية لتعزيز موقعها في مواجهة الضغوط الدولية التي تتعرَّض لها، ومن ثم توظيف قدراتها العسكرية في قطاع المُسيَّرات مقابل تخفيف الضغوط التي تتعرَّض لها، والتي قد تزيد وطأتها في ظل استمرار الأزمة الأوكرانية. وفي هذا الصدد، تعتقد أنقرة أنه يتعيَّن عليها الإعلان عن استطاعتها تطوير قدراتها الدفاعية، خاصةً بعد الانتقادات التي واجهتها من القوى الغربية لعدم مشاركتها في العقوبات المفروضة على موسكو بعد تدخُّلها العسكري في أوكرانيا.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>في المقابل، فإن ثمة مخاوف تركية من رد فعل موسكو على استمرار تركيا في توريد المُسيَّرات التركية إلى أوكرانيا. وبرغم إعلان تركيا في 2 مارس 2022، على لسان نائب وزير الخارجية "يافوز سليم كيران"، أن تسليم بلاده شحنات من الطائرات المُسيَّرة إلى كييف في إطار مبيعات خاصة لا في إطار المساعدات العسكرية، فإن روسيا تدين هذا السلوك التركي، ووعدت باتخاذ إجراءات صارمة ضد أنقرة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وفي هذا السياق، فإن الإعلان عن إنتاج مقاتلة جديدة من الطائرات المُسيَّرة يأتي في سياق تخطيط النظام التركي لاستيعاب الضغوط الغربية والروسية من جهة، وتأكيد ضرورة وضع القدرات الدفاعية التركية في حسابات المصالح المُحتمَلة في شرق أوروبا ومنطقة القوقاز من جهة ثانية، كما تراهن تركيا على توظيفها تقدُّمها الحادث في قطاع المُسيَّرات لتسوية الملفات الخلافية مع واشنطن والقوى الغربية من جهة ثالثة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وتعي تركيا أنه كان من نتيجة التطور العسكري في قطاع المُسيَّرات، تعزيز وضع تركيا السياسي في منطقة الشرق الأوسط والقوقاز، خاصةً بعد نجاحات المُسيَّرات التركية في تغيير قواعد اللعبة في كل من سوريا وليبيا وأذربيجان، ناهيك عن أن الاستمرار في تطوير المُسيَّرات التركية، منح أنقرة مزيداً من القوة في مواجهة ضغوط حلف الناتو، خاصةً بعد الإعلان عن صفقة شراء بولندا (العضو في الناتو) الطائرات المُسيَّرة التركية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>5– تعزيز الحضور في سوق الصادرات الدفاعية: </strong>نجحت المُسيَّرات التركية في اختراق العديد من الأسواق الدفاعية حول العالم، كما تحوَّلت إلى واحدة من أهم مُنتجِي المُسيَّرات المُسلَّحة البارزين، مثل الولايات المتحدة وإسرائيل والصين، وهو الأمر الذي وفَّر بيئة خصبة لتعزيز سمعة المقاتلات التركية. ورغم أن الصادرات الدفاعية التركية تصل إلى نحو 1% من الصادرات الدفاعية العالمية، فإن التطوُّر الحادث في قطاع المُسيَّرات ساهم في زيادة حصة أنقرة التصديرية من السلاح. ولأن ثمة قناعة تركية بأن "الدرونز" بمختلف أنواعها سوف تواصل لعب دور رأس الحربة في قطاع الصادرات الدفاعية، فإن الإعلان عن إنتاج المُسيَّرة "Mius" يأتي في سياق جذب المزيد من الأسواق الدولية والإقليمية لاقتناء المُسيَّرات التركية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>6– التحايل على الأزمة الاقتصادية الداخلية:</strong> تصاعدت حدة الأزمة الاقتصادية في تركيا بعد اندلاع المواجهات العسكرية في أوكرانيا، وتجلَّى ذلك في ارتفاع أسعار الحبوب الغذائية ومصادر الطاقة؛ حيث تعتمد تركيا على موسكو وكييف في تلبية احتياجاتها من هذه المواد، إضافةً إلى خسائر قطاع السياحة التركي الذي يعتمد بصورة أساسية على السوقين الروسية والأوكرانية. في هذا السياق، فإن تركيا ربما استهدفت من وراء الإعلان عن إنتاج مُسيَّرة جديدة تتمتَّع بقدرات هجومية استثنائية، الاستفادة من جذب تعاقدات جديدة، خاصةً أن الميزانية التركية في المرحلة الحالية تعتمد في الأساس على صادراتها من الصناعات الدفاعية، وخاصةً بيع الطائرات من دون طيار، ناهيك عن توقيع عقود جديدة في قطاع المُسيَّرات قد تساهم في تحسين وضع الاقتصاد المتأزم.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">أبعاد انتخابية</span></strong></p>



<div style="height:12px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>وختاماً، تهدف الحكومة التركية من وراء الإعلان عن إنتاج منظومة جديدة من الطائرات من دون طيار في هذا التوقيت، إلى تعويض التراجع الحادث في الرصيد التقليدي للعدالة والتنمية، وحشد التأييد الشعبي للنظام السياسي، لا سيما مع اقتراب موعد الانتخابات القادمة من جهة، ومحاصرة التقدُّم الحادث في شعبية بعض أحزاب المعارضة من جهة أخرى. في المقابل، فإن تركيا تسعى إلى توظيف نجاحات المُسيَّرات التركية في الحرب الأوكرانية لتعزيز الاستراتيجية الدفاعية للرئيس التركي، التي تواجه انتقادات شديدة من المعارضة التركية التي تطالب بمنح الأولوية للمشروعات الاقتصادية والتنموية. ويمكن القول إن الإعلان التركي عن إنتاج مقاتلة جديدة من الطائرات بدون طيار، قد تكون له انعكاسات ايجابية مباشرة على الاقتصاد التركي المتأزم، لكن الأهم الارتدادات الإيجابية المحتملة على المصالح التركية، خاصةً أن القوى الغربية وروسيا بدأت تدرك التطور الحادث في الصناعات الدفاعية التركية، وقدرتها على تغيير مسارح العمليات العسكرية في مناطق النفوذ المتقاطعة.</strong><strong></strong></p>

      

ما هي دوافع إعلان تركيا عن إنتاج جيل جديد من الطائرات المُسيَّرة؟